الحكامة ومدرسة التميز
تقوم مدرسة التميز على مبدأ المساواة والإنصاف والارتقاء، ولا يمكن أن تحقق ذلك إلا بفضل حكامة جادة قوامها التدبر الناجع على جميع الأصعدة: تربويا، ديداكتيكيا، إداريا، ماديا وماليا. حيث تتصف بالجودة والفعاليةٌ والنجاعة، والقدرة على التنافسية والعمل على تكوين متعلمين متفوقين ومتميزين ومبدعين وقادرين على الإنتاج والابتكار.
وتتسم هذه المدرسة أيضا بالجودة كما وكيفا فهي تخضع لمستلزمات الحكامة الجيدة على مستوى التخطيط والتدبير والتقويم وتسيير المؤسسة لكونها تربط المسؤولية بالمحاسبة والمواكبة والافتحاص والتقييم. وتسعى جادة لإرساء ثقافة حقوق الإنسان والأخذ بسياسة التشارك والشفافية والديمٌقراطية في إسناد الأدوار وتوزيع المهام والمسؤوليات . فماهي مدرسة التميز؟ وما علاقتها بالحكامة الجيدة؟ وأينٌ يتجلى ذلك من خلال الرؤية الاستراتيجية للإصلاح ؟ ثم ما آليات تطبيق الحكمة التربويةٌ بمدرسة التميز؟
مفهوم الحكامة
يُعدّ مفهوم الحكامة الجيدة أحد أهم المصطلحات التي تداولتها الأوساط الثقافية والإدارية في حقل التنمية منذ بداية التسعينات، بل منذ نهاية الثمانينات، فقد استُعمل لأول مرة من قبل البنك الدول سنة 1989 ، والذي عدّ أنّ الحكامة هي أسلوب في ممارسة السلطة لتدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد لأجل التنمية"، وعرّف برنامج الأمم المتحدة مفهوم الحكامة الجدة بأنّها: نمط جديد من العلاقات والمؤسسات التي تشترك بها مصالح المجموعات والأفراد، وتمارس الواجبات وتعطى الحقوق، ويُفصل في الخلافات والنزاعات، بحيث تقوم على تجاوز التراتبية الهرمية، وتشجع التشارك بين جميع الأطراف والإدارات، كما وتشجع على حسن التنظيم بشكل ذكي، وتوزع المسؤوليات بحكمة، وصقل القدرات والمواهب ودعم التواصل الداخلي والخارجي .
الحكامة هي أولا و قبل كل شيء تعبير عن ممارسة السلطة السياسية و إدارتها لشؤون المجتمع و موارده. و هذا هو التعريف المعتمد من طرف أغلب المنظمات الدولية. وهو في واقع الأمر مفهوم قديم يدل بالأساس على آليات و مؤسسات تشترك ف صنع القرار. و منذ عقدين طرأ تطور على هذا المفهوم و أصبح يعني حكما تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفأة لتحسين نوعية حياة المواطنين و تحقيق رفاهيتهم، و ذلك برضاهم وعبر مشاركتهم و دعمهم (الحكامة الرشيدة)
وتدل الحكامة على المقاربة التشاركية والتعدديةٌ في تسيير الإدارة وتدبيرها، واستحضار مختلف الفاعلين والشركاء في أثناء أخذ القرار، أو ممارسة التقويم، أو بناء المشروع.
وتعني أ يضا إرساء الدولة على أساس اللامركزيةٌ واللاتركيز. ومن ثم، تعد الحكامة آلية تدبيرية لتجاوز أزمة الدولة البيروقراطية والمركزية. أضف إلى ذلك أن الحكامة عبارة عن مجموعة من القواعد والمناهج التي تساعد المدبرين على أخذ القرار الصحيح، وتنظيم التفكير الإداري، و مراقبة مدى تنفيذ القرارات في حضن المجتمع.
الحكامة في مجال التربية والتعليم
لا يُمكن الحديث عن الحكامة إلا ضمن عملة تربوية سليمة لا تعاني مشاكل صعب حلها وتقف حجرة عثرة أمام التطور التعليمي والتربوي، ولذلك فالحكامة هي أداة لضبط وتسيير التوجهات الاستراتيجية الكبرى للمؤسسة التربوية التي استطاعت أن تتفوق على مشاكلها العويصة، والتي من خلالها يُمكن توجيه الأداء التربوي ومحاولة القضاء على الفوارق وتشجيع القدرات والكفاءات من أجل تحقق أهداف سامية. وبالتالي فهي -أي الحكامة-ستكون أداة لرفع المعنويات من أجل خلق منافسة تربو ةٌ داخل المدرسة والمؤسسة التعلمية ضمن مخططات مسطرة مسبقا وضمن ضوابط تتمثل في الشفافية والتزود بالمعلومات الضرورة واحترام الحقوق والواجبات.
الحكامة في مقتضيات الميثاق الوطني للتربيةٌ والتكوين
لم يتم تداول الحكامة كمفهوم ضمن مقتضيات الميثاق الوطني للتربيةٌ والتكوين، لكن مع ذلك كانت جل أبعاد الحكامة حاضرة فيه. فله يعود قدم السبق فيما يتعلق باعتماد نهج اللاتركيز في المنظومة التربويةٌ إلى جانب اللاتمركز الإداري، والذي تٌوخى حل المشكلات العمليةٌ التي تعترض هذه المنظومة بأقرب ما يمكن من المؤسسات التعليميةٌ والتكوينيةٌ، وكذا ملاءمتها للحاجات والظروف الجهويةٌ والمحليةٌ، إلى جانب تبسيط مساطر تدبير العدد المتزايد من التجهيزات، ومن المتعلمين والمؤطرين، فضلا عن تيسير الشراكة والتعاون الميداني مع مختلف الفعاليات المحلية والجهوية المهتمة بالمجال.
ويقتضي إقرار اللامركزيةٌ و اللاتمركز في قطاع التربيةٌ والتكوين، حسب الميثاق، فضلا عن استقلال التدبير الإداري والمالي، اضطلاع المستوى الجهوي بتدبير الموارد البشريةٌ على مستوى الجهة، بما في ذلك التوظيف والتعيين والتقويم، فضلا عن تعزيز منظومة التدبير بالأكاديميةٌ بإحداث مجالس إداريةٌ ولجان مختصة بها تضم فاعلين في القطاعين العام والخاص للتربية والتكوين والمجتمع المدني. أما على مستوى الإقليم فيقتضي تعزيز المصالح المكلفة بالتربيةٌ والتكوين، من حيث الاختصاصات ووسائل العمل وإحداث شبكات للتربيةٌ والتكوين، إلى جانب تعزيز إدارة مؤسسات التربيةٌ والتعليم، على الصعيد المحلي، بمجالس للتدبير عهد إليها إبداء الرأي في مختلف أنشطة المؤسسة والمساهمة في التقويم الدوري لأدائها.
الحكامة من خلال الرؤيةٌ الاستراتيجيةٌ 2015/2030
شكلت الحكامة أحد الاهتمامات الأساسيةٌ للرؤيةٌ الاستراتيجيةٌ، حيث وردت كرافعة ضمن رافعات الفصل الثاني في شأن مدرسة الجودة للجميع، كما كانت محور الفصل الرابع: من أجل ريادة ناجعة وتدبير جديد للتغيير.
بخصوص الرافعة الخامسة عشرة بشأن استهداف حكامة ناجعة لمنظومة التربيةٌ والتكوين، فقد حددت التحدياٌت التي يتعين رفعها في مجال الحكامة في عدة مستويات تتعلق أساسا بمستوى تحقيق التقائيةٌ السياسات والبرامج العموميةٌ، ومستوى إرساء نظام للحكامة الترابيةٌ للمنظومة في أفق الجهويةٌ المتقدمة من خلال تحدد واضح للسلط والأدوار والمهام وإرساء استقلاليةٌ المؤسسة ونهج اللامركزيةٌ وتعزيز تفعيلها في انسجام مع روح وتوجهات الجهويةٌ المتقدمة، ثم في مستوى إرساء مقومات الشراكة، وكذا في مستوى إرساء نظام معلوماتي مؤسساتي لقيادة المنظومة التربويةٌ وتقييمها، وأخيرا مستوى تمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.